وهذه فتنة يمتحن بها عباده، فينظر أيتبعون الحق أم يتبعون الدجال .
ومن التغيرات التي تعتري أيضاً الأرض أنه قبيل خروج الدجال ثلاث سنوات، يأمر الله الأرض في السنة الأولى أن تمسك ثلث نباتها والسماء أن تمسك ثلث مطرها، وفي السنة الثانية يأمر الله الأرض أن تمسك ثلثي النبات، والسماء أن تمسك ثلثي المطر، وفي السنة الثالثة قبل خروجه يأمر الله الأرض فلا تنبت شيئا، ويأمر السماء فلا تمطر شيء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله .
سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- : فما يعيش الناس ؟ فأخبرهم أن التهليل والتحميد والتكبير والذكر يجزئ عنهم مجزأة الطعام .
وكذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ريحٍ طيبةٍ تخرج لقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان، فتهب فلا يبقى على ظهر الأرض من يقول الله إلا وأخذته، فيبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة، وقد جاء في وصفها أنها أنعم من الحرير، فقال -عليه الصلاة والسلام- يصف الحال بعد خروج الدجال وقتله وبعد خروج يأجوج ومأجوج وفنائهم، قال: (( فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ –أي المسلمون -إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، فَلا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ.. وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ]أي يجامع الرجال النساء علانية كما يفعل الحمير[ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ )). مسلم (5228) (2940).
ومن التغيرات أيضاً التي ستعتري الأرض الدخان، قال تعالى : {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الدخان:10-11).
واطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: ((مَا تَذَاكَرُونَ؟)) قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: ((إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ؛ فَذَكَرَ منها: الدخان..)). مسلم(2901).
وهو دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام كما قال بعض أهل العلم، وهو يكون قريبا من قيام الساعة. شرح النووي.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ –يا أيها الناس سابقوا انتهزوا الفرصة اغتنموا حياتكم – سِتًّا- قبل أن تقع ستا - : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ الدُّخَانَ أَوْ الدَّجَّالَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ)) مسلم ( 2947 ).
فالشاهد من الحديث قوله (( الدخان )) فهذا سيكون ولا شك .
ومن التغيرات الكونية أيضاً طلوع الشمس من مغربها، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (الأنعام:158).
فهذه الآيات الخارقة للعادة، التي يُعلم بها أن الساعة ستقوم بعدها بقليل، هذه الآيات منها طلوع الشمس من مغربها، لكن هذه آيات مفحمة هائلة قوية، ليس هناك اختيار للعبد إلا الإيمان، عندها يكون الإيمان اضطرارياً، فلما ينتفي الاختيار في الإيمان ويصبح إجبارياً واضطرارياً من هول ما يرون لا تقبل التوبة، قال سبحانه : {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ}. (غافر : 84-85).
فهذا الإيمان الاضطراري كإيمان الغريق فرعون، أو الذي نزل به الموت لا ينفع صاحبه، لا بد أن يكون إيماناً اختيارياً يختاره العبد بتلقاء نفسه .